النصيرية يعتبرون أنفسهم قبيلة يهودية. pic.twitter.com/UPjGiPup4a
— DannyAZ (@DannyAZ1) March 14, 2024
يبتدئ تاريخ الفرق الباطنية التي جاء منها النصيريون (العلويون) بيهودي اسمه عبد الله بن سبأ، ويختتم دور التأصيل للعقيدة النصيرية بشخصية يشتبه في أن أصلها يهودي هو الميمون بن قاسم الطبراني.. وما بين الشخصيتين ثمة تاريخ طويل نحاول أن نختزل تحولاته الأساسية في هذا الملف.
عبد الله بن سبأ اليهودي ومكانته عند العلويين!
لم يختلف أحد من كتَّاب الفرق والملل والنحل والتاريخ على أن أوَّل نزعات الغلو وتأليه علي بن أبي طالب، كان وراءها شخصية يهودية هو عبد الله بن سبأ، الذي كان له دور كبير في أحداث الفتنة الأولى التي ابتدأت سنة (35هـ) بقتل الخليفة الراشدي عثمان بن عفان وانتهت بقتل الخليفة الراشدي الرابع علي بن أبي طالب سنة (41هـ)، إذ يذكر النوبختي وغيره ذلك بقوله:
"وأول فرقة قالت بالغلو هم أصحاب عبد الله بن سبأ، وهو يهودي أسلم ووالى عليًا، وكان يقول و هو على يهوديته في يوشع بن نون بأنه خليفة موسى، فلما أسلم قال في علي مثل ما كان يقول في يوشع، وقد همَّ علي بقتله لولا شفاعة بعض أصحاب علي فيه، فنفاه إلى المدائن".
أمّا الشيعي المعتزلي ابن أبي الحديد فيقول: وبعد سنة أو نحوها من هذه الحادثة (حادثة حرق علي لأتباع ابن سبأ)، ظهر عبد الله بن سبأ -و كان يهوديًا يتستر بالإسلام- بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام، واتبعه قوم فسُموا السبئية… ويستطرد ابن أبي الحديد حتى يقول: وتولدت من هذه المذاهب القديمة التي قال بها سلفهم، مذاهب أفحش منها قال بها خلفهم، حتى صاروا إلى المقالة المعروفة بالنصيرية، وهي التي أحدثها محمد بن نصير النميري.
إذن لم يكن من خلاف عند الأقدمين على أن الفرق الغالية -ومنها النصيرية- هي ذات أصل يهودي. وقد حاول بعض المعاصرين إنكار حقيقة وجود ابن سبأ، وادعوا أنه أسطورة لا وجود لها إلا في مخيلة الرواة، اصطنعها من أراد الإساءة للشيعة، وفي الحقيقة لا قيمة لهذا الرأي إذا علمنا أن النصيريين أنفسهم في مصادرهم السرِّية لا ينكرون حقيقة وجود ابن سبأ، ويعتقدون فيه أنه من الملائكة من مرتبة النجباء وسيد هذه المرتبة، ظهر مع الله المتمثل في علي بن أبي طالب، جاء في أحد كتب الطائفة التي تلقن تعاليم الديانة النصيرية على طريقة السؤال والجواب مايلي:
– اشرح لي أسماء النجباء وعددهم في العالم النوراني الكبير والعالم البشري الصغير؟
– فيعدد أسماء النجباء و آخرهم في القائمة " وعبد الله بن سبأ وهو سيد النجباء"
و كذلك لا ينكر النصيريون تأليه ابن سبأ لعلي بن أبي طالب وما كان من قصته وأتباعه مع علي، ويذكر شيخ الطائفة النصيرية الحسين بن حمدان الخصيبي (260- 346هـ): أن ابن سبأ و أصحابه لم يكونوا مخطئين بادعائهم ألوهية علي بن أبي طالب التي جاهروا بها أكثر من مرة، وأن ابن سبأ وأصحابه هم أصحاب الأخدود، وهم الذين نزلت فيهم سورة البروج في القران الكريم، وهم المقصودون بقول الله تعالى: { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إلا ان يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }. ويترجم العلويون حبهم وولاءهم لابن سبأ من خلال مقام الأربعين المطل على مدينة القرداحة في اللاذقية، وهو مقام مقدس لابن سبأ وأصحابه الأربعين الذين أحرقهم علي بن أبي طالب، يحج إليه النصيريون ويتبركون به. وإذا سأل سائل كيف يحرق علي بن أبي طالب ابن سبأ وأتباعه ثم يأتي النصيريون ويقدسونهم، فالجواب بحسب عقيدتهم: أن النار التي أُحرِقوا بها لم تكن نارًا على وجه الحقيقة، بل هي تجلي لله ظهر بمظهر النار تلبيسًا على الخلق، وهذه النار هي واحدة من النيران المقدسة عند النصيريين كما يذكر ذلك شيخهم إبراهيم مرهج بقوله: "النيران السبع المقدسة: هي ثلاث لموسى في الوادي المقدس، ونار هابيل، ونار إبراهيم، ونار عبد الله بن سبأ، ونار الله الموقدة. و هذه النيران السبعة، مثال لتجلياته تعالى في مظاهر الأنوار، وسميت بالنار لإقامة الجدار محافظة على الأسرار".
الفكر اليهودي في العقيدة النصيرية!
وإذا تجاوزنا موضوع ابن سبأ وعلاقته بالعقيدة النصيرية، فإن أقدم المصادر المكتوبة التي تشكل أحد أهم الأصول العلمية للعقيدة النصيرية والتي يقدسها النصيريون ويستشفعون بها، هي ذات أصل يهودي، وهو كتاب “الأسوس” وهذا الكتاب هو أصول الحكمة المنسوبة لنبي الله سليمان بن داوود -كما يزعمون- كما جاء في مقدمته: “هذا كتاب معرفة حكمة سليمان بن داوود عليه السلام، وهو الذي يسمى كتاب الأسوس، لان أساس كل شيء في معرفة هذا الكتاب”.
وفي جزء من دعاء يسمى “دعاء السجود” ورد الدعاء: “بحق الأربعة كتب المنزلات … وبحق كتاب الهفت، وكتاب الصراط، وكتاب الأسوس، وكتاب العقود، وبحق سليمان بن داوود.”
وبحسب العقيدة النصيرية، فإنه من بين سبعة ظهورات للذات الإلهية واسمها بين البشر التي يقدسها النصيريون، هناك أربعة منها لأشخاص من التاريخ الديني اليهودي حسب ثنائية المعنى، الاسم، التي يعتقدها النصيريون، وهم:
يوسف ، يعقوب – يوشع بن نون ، موسى – اصف ، سليمان – شمعون الصفا ، عيسى بن مريم.
ويظهر التأثير اليهودي على عقيدة شيخ الطائفة الحسين بن حمدان الخصيبي في رسالته "الرستباشية" عندما يجعل نظرية الخلق اليهودية الصوفية للكون أصلًا من أصول العقيدة النصيرية، فبحسب معتقد الخصيبي فان الأحرف الأبجدية (ا، ب، ت …) هي رموز ظاهرية، وفي حقيقتها الباطنية أشخاص مقدسة، حيث يمثل كل حرف شخصًا من الأشخاص يقوم كجزء من الكون، ومن مجموع الحروف قام بناء الكون بكلياته وجزئياته. وهذه النظرية هي نفسها نظرية فرقة القبَّالة اليهودية، ولا خلاف بين القبَّالة والنصيرية إلا في عدد الحروف، فالقبالة تعتبر الحروف اثنين وعشرين بعدد حروف الأبجدية العبرية، أما النصيرية فتجعل الحروف ثمانية وعشرين بعدد حروف الأبجدية العربية.
وفي بعض أشعار الخصيبي التي يسرد فيها تفاصيل رحلته التي عرج فيها إلى السماء–كما زعم- فقد هلل وكبر الله باللغة العبرية على طريقة اليهود كما ذكر ذلك شعرًا:
وقد هللت آهيا
شراهيا بلا فتن
وقد كبرت أدوناي
أصباؤوت مع الطبن
إهْيِهْ أَشِرْ إهْيِهْ = אהיה אשר אהיה: الحي القيّوم
أَدُونَايْ صْبَاؤُوتْ = אדוני צבאות: السيد الرب القدير
الطبراني: يهودي مندس أم متحول إلى النصيرية؟!
في نحو عام 346هـ توفي الخصيبي في حلب بعد أن أوجد تجمعًا لأتباعه النصيريين هناك، وخلفه في الزعامة الدينية محمد بن علي الجلي، ورغم كون الجلي من أنطاكيا، إلا أن علاقة مجهولة البداية وصعبة التعليل قد ربطته بشخص من طبرية اسمه ميمون بن القاسم الطبراني (358- بعد 426 هـ) وهو الذي سيخلف الجلي بعد موته في زعامة النصيريين في حلب قبل أن يبدأ الطبراني مع اتباعه النصيريين مرحلة النزوح من حلب للسكن في جبال الساحل السوري، حيث سيموت هناك وسَيُبنى لاحقًا على قبره مسجدًا باسم لا يعبر عن هوية صاحب الضريح، وهو المسجد الذي يعرف اليوم باسم مسجد الشعراني في مدينة اللاذقية.
يرجع الطبراني في أصله إلى فلسطين، وينتسب إلى منطقة طبرية وهي مركز من مراكز المجموعات الغنوصية اليهودية (القبَّالة)، والغنوصية المسيحية (الهراطقة) في ذلك العصر.
والغنوصية هي تيار ديني ظهر ابتداءً في العصر الهلنستي في مصر وفلسطين، اعتقد أتباعه عقائد مازجت بين اليهودية والمسيحية التقليدية والوثنية الفرعونية والإغريقية، مضاف إليها الفلسفة الإغريقية، كالفيثاغورية والأفلاطونية الحديثة… وقد كانت الغنوصية أحد أهم الأصول التي قام عليها التشيع عمومًا، والفكر الباطني خصوصًا منذ القرن الأوَّل الهجري، بسبب وجود الجماعات الغنوصية في العراق وفارس منذ ما قبل الإسلام، فكانت الفرق الباطنية هي نتيجة عن تمازج بين المعتقدات الغنوصية والإسلامية ضمن الحركة التي أُطلق عليها مطلع العصر العباسي: الزندقة.
المصدر: orient-news.net